سورة آل عمران - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{ودَّت طائفةٌ من أهل الكتاب لو يضلونكم} أراد اليهود أن يستزلُّوا المسلمين عن دينهم ويردُّوهم إلى الكفر، فنزلت هذه الآية. {وما يضلون إلاَّ أنفسهم} لأنَّ المؤمنين لا يقبلون قولهم، فيحصل الإِثم عليهم بتمنِّيهم إِضلال المؤمنين {وما يشعرون} أَنَّ هذا يضرُّهم ولا يضرُّ المؤمنين.
{يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله} أَيْ: بالقرآن {وأنتم تشهدون} بما يدلُّ على صحَّته من كتابكم؛ لأنَّ فيه نعتَ محمَّدٍ عليه السَّلام وذكره.
{يا أهل الكتاب لم تلبسون} ذُكر في سورة البقرة.
{وقالت طائفة من أهل الكتاب...} الآية. وذلك أنَّ جماعةً من اليهود قال بعضهم لبعض: أظهروا الإِيمان بمحمَّدٍ والقرآنِ في أوَّل النَّهار، وارجعوا عنه في آخر النهار، فإنَّه أحرى أن ينقلب أصحابه عن دينه ويشكُّوا إذا قلتم: نظرنا في كتابكم فوجدنا محمَّداً ليس بذاك، فأطلع الله نبيَّه عليه السَّلام على سرِّ اليهود ومكرهم بهذه الآية.
{ولا تؤمنوا} هذا حكايةٌ من كلام اليهود بعضهم لبعض. قالوا: لا تُصدِّقوا ولا تُقِرّوا ب {أَنْ يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم} من العلم والحكمة، والكتاب، والحجَّة والمنِّ والسَّلوى، والفضائل والكرامات {إلاَّ لمن تبع دينكم} اليهوديَّة وقام بشرائعه، وقوله: {قل إنَّ الهدى هدى الله} اعتراضٌ بين المفعول وفعله، وهو من كلام الله تعالى، وليس من كلام اليهود، ومعناه: إنَّ الدِّين دين الله، وقوله: {أو يحاجُّوكم} عطف على قوله: {أن يؤتى} والمعنى: ولا تؤمنوا بأن يحاجُّوكم عند ربكم؛ لأنَّكم أصحُّ ديناً منهم، فلا يكون لهم الحجَّة عليكم، فقال الله تعالى: {قل إنَّ الفضل بيد الله} أَيْ: ما تفضَّل الله به عليك وعلى أُمتِّك.
{يختصُّ برحمته} بدينه الإِسلام {مَنْ يشاء والله ذو الفضل} على أوليائه {العظيم} لأنَّه لا شيءَ أعظمُ عند الله من الإِسلام، ثمَّ أخبر عن اختلاف أحوالهم في الأمانة والخيانة بقوله: {ومِنْ أهل الكتاب مَنْ إنْ تأمنه بقنطارٍ يؤدِّه إليك} يعني: عبد الله بن سلام، أُودع ألفاً ومائتي أوقية من ذهب، فأدَّى الأمانة فيه إلى مَنْ ائتمنه {ومنهم من إِنْ تأمنه بدينار لا يؤدِّه إليك} يعني: فنحاص بن عازوراء، أودع ديناراً فخانه {إلاَّ ما دمت عليه قائماً} على رأسه بالاجتماع معه، فإن أنظرته وأخَّرته أنكر. {ذلك} أَيْ: الاستحلال والخيانة {بأنَّهم} يقولون: {ليس علينا} فيما أصبنا من أموال العرب شيءٌ؛ لأنَّهم مشركون، فالأميُّون في هذه الآية العرب كلُّهم، ثمَّ كذَّبهم الله تعالى في هذا، فقال: {ويقولون على الله الكذب} لأنَّهم ادَّعوا أنَّ ذلك في كتابهم وكذبوا، فإنَّ الأمانة مؤدَّاة في كلِّ شريعة {وهم يعلمون} أَنَّهم يكذبون، ثمَّ ردَّ عليهم قولهم: {ليس علينا في الأُمييِّن سبيل}.


{بلى} أَيْ: بلى عليهم سبيل في ذلك، ثمَّ ابتدأ فقال: {مَنْ أوفى بعهده} أَيْ: بعهد الله الذي عهد إليه في التَّوراة من الإِيمان بمحمدٍ عليه السَّلام والقرآن، وأَدَّى الأمانة، واتَّقى الكفر والخيانة، ونَقْضَ العهد {فإنَّ الله يحب المتقين} أََيْ: مَنْ كان بهذه الصفة.
{إنَّ الذين يشترون بعهد الله} نزلت في رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ضَيعةٍ، فهمَّ المدَّعَى عليه أن يحلف، فنزلت هذه الآية فنكل المُدَّعى عليه عن اليمين وأقرَّ بالحقِّ، ومعنى {يشترون} يستبدلون، {بعهد الله} بوصيته للمؤمنين أن لا يحلفوا كاذبين باسمه {وأيمانهم} جميع اليمين، وهو الحلف {ثمناً قليلأً} من الدُّنيا {أولئك لا خلاق لهم في الآخرة} أَيْ: لا نصيب لهم فيها {ولا يكلِّمهم الله} بكلامٍ يسرُّهم {ولا ينظر إليهم} بالرَّحمة، وأكثر المفسرين على أنَّ الآية نزلت في اليهود، وكتمانهم أمر محمد صلى الله عليه وسلم وإيمانهم الذي بدَّلوه من صفة محمد عليه السَّلام هو الحقُّ في التَّوراة، والدَّليل على صحَّة هذا قوله: {وإنَّ منهم} أَيْ: من اليهود {لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب} يحرِّفونه بالتَّغيير والتَّبديل، والمعنى: يلوون ألسنتهم عن سنن الصَّواب بما يأتونه به من عند أنفسهم {لتحسبوه} أَيْ: لتحسبوا ما لووا ألسنتهم به {من الكتاب}.
{ما كان لبشرٍ...} الآية. لمَّا ادَّعت اليهود أنَّهم على دين إبراهيم عليه السَّلام وكذَّبهم الله تعالى غضبوا وقالوا: ما يرضيك منَّا يا محمد إلاَّ أَنْ نتَّخذك ربّاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: معاذَ الله أَنْ نأمر بعبادة غير الله، ونزلت هذه الآية. {ما كان لبشر} أن يجمع بين هذين: بين النبوَّة وبين دُعاء الخلق إلى عبادة غير الله {ولكن} يقول: {كونوا ربانيين...} الآية. أَيْ: يقول: كونوا معلِّمي الناس بعلمكم ودرسكم، علِّموا النَّاس وبيِّنوا لهم، وكذا كان يقول النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لليهود؛ لأنَّهم كانوا أهل كتاب يعلمون ما لا تعلمه العرب.
{ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً} كما فعلت النَّصارى والصَّابئون {أيأمركم بالكفر} استفهامٌ معناه الإِنكار، أَيْ: لا يفعل ذلك {بعد إذ أنتم مسلمون} بعد إسلامكم.


{وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب} {ما} ها هنا للشرط، والمعنى، لئن آتيتكم شيئاً من كتاب وحكمة، ومهما آتيتكم {ثمَّ جاءكم رسول مصدِّق لما معكم لتؤمننَّ به} ويريد بميثاق النَّبييِّن عهدهم ليشهدوا لمحمد عليه السَّلام أنَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قوله: {ثمَّ جاءكم رسولٌ مصدقٌ لما معكم} يريد محمداً {لتؤمننَّ به ولتنصرنَّه} أَيْ: إن أدركتموه ولم يبعث الله نبيَّاً إلاَّ أخذ عليه العهد في محمَّدٍ عليه السَّلام، وأمره بأنْ يأخذ العهد على قومه لَيُؤمننَّ به، ولئنْ بُعث وهم أحياءٌ لينصرنَّه، وهذا احتجاجٌ على اليهود، وقوله: {أأقررتم} أَيْ: قال الله للنَّبييِّن: أقررتم بالإِيمان به والنُّصرة له {وأخذتم على ذلكم إصري} أَيْ: قبلتم عهدي؟ {قالوا أقررنا قال فاشهدوا} أَي: على أنفسكم وعلى أتباعكم {وأنا معكم من الشاهدين} عليكم وعليهم.
{فَمَن تولى} أعرض من {بعد ذلك} بعد أخذ الميثاق وظهور آيات النبيِّ صلى الله عليه وسلم {فأولئك هم الفاسقون} الخارجون عن الإيمان.
{أفغير دين الله يبغون} بعد أخذ الميثاق عليهم بالتَّصديق بمحمَّد عليه السَّلام {وله أسلم مَنْ في السموات والأرض طوعاً} الملائكة والمسلمون {وكرهاً} الكفَّار في وقت البأس {وإليه يُرجعون} وعيدٌ لهم، أَيْ: أيبغون غير دين الله مع أنَّ مرجعهم إليه؟
{قل آمنا بالله} أُمِرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يقول: آمنَّا بالله وبجميع الرُّسل من غير تفريقٍ بينهم في الإِيمان كما فعلت اليهود والنَّصارى، ونظير هذه الآية قد مضى في سورة البقرة.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9